کد مطلب:109925 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:143

خطبه 207-خطبه ای در صفین











ومن خطبة له علیه السلام

خطبها بصفین

أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ جَعَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ لِی عَلَیْكُمْ حَقّاً بِوِلاَیَةِ أَمْرِكُمْ، وَلَكُمْ عَلَیَّ مِنَ الْحَقِّ مثْلُ الَّذِی لِی عَلَیْكُمْ، فَالْحَقُّ أَوْسَعُ الْأَشْیَاءِ فِی التَّوَاصُفِ، وَأَضْیَقُهَا فِی التَّنَاصُفِ، لاَیَجْرِی لِأَحَد إِلاَّ جَرَی عَلَیْهِ، وَلاَ یَجْرِی عَلَیْهِ إِلاَّ جَرَی لَهُ. وَلَوْ كَانَ لِأَحَد أَنْ یَجْرِیَ لَهُ وَلاَ یَجْرِیَ عَلَیْهِ، لَكَانَ ذلِكَ خَالِصاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ دُونَ خَلْقِهِ، لِقُدْرَتِهِ عَلَی عِبَادِهِ، وَلِعَدْلِهِ فِی كُلِّ مَا جَرَتْ عَلَیْهِ صُرُوفُ قَضَائِهِ، وَلكِنَّهُ جَعَلَ حَقَّهُ عَلَی الْعِبَادِ أَنْ یُطِیعُوهُ، وَجَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَیْهِ مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ تَفَضُّلاً مِنْهُ، وَتَوَسُّعاً بِمَا هُوَ مِنَ الْمَزِیدِ أَهْلُهُ.

حق الوالی وحق الرعیة

ثُمَّ جَعَلَ ـ سُبْحَانَهُ ـ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَی بَعْضٍ، فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ فِی وُجُوهِهَا، وَیُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً، وَلاَ یُسْتَوْجَبُ بعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْضٍ. وَأَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ ـ سُبْحَانَهُ ـ مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِی عَلَی الرَّعِیَّةِ، وَحَقُّ الرَّعِیَّةِ، عَلَی الْوَالِی، فَرِیضَةٌ فَرَضَهَا اللهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ لِكُلٍّ عَلَی كُلٍّ، فَجَعَلَهَا نِظَاماً لِأُلْفَتِهِمْ، وَعِزّاً لِدِینِهِمْ، فَلَیْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِیَّةُ إِلاَّ بِصَلاَحِ الْوُلاَةِ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ إِلاَّ بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِیَّةِ. فَإِذا أَدَّتِ الرَّعِیَّةُ إِلَی الْوَالِی حَقَّهُ، وَأَدَّی الْوَالِی إِلَیْهَا حَقَّهَا، عَزَّ الْحَقُّ بَیْنَهُمْ، وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّینِ، وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ، وَجَرَتْ عَلَی أَذْلاَلِهَا السُّنَنُ، فَصَلَحَ بِذلِكَ الزَّمَانُ، وَطُمِعَ فِی بَقَاءِ الدَّوْلَةِ، وَیَئِسَتْ مَطَامِعُ الْأَعْدَاءِ. وَإِذَا غَلَبَتِ الرَّعِیَّةُ وَالِیَهَا، أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِی بِرَعِیَّتِهِ، اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ الْكَلِمَةُ، وَظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ، وَكَثُرَ الْإِدْغَالُ فِی الدِّینِ، وَتُرِكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ، فَعُمِلَ بِالْهَوَی، وَعُطِّلَتِ الْأَحْكَامُ، وَكَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ، فَلاَ یُسْتَوْحَشُ لِعَظِیمِ حَقٍّ عُطِّلَ، وَلاَ لِعَظِیمِ بَاطِلٍ فُعِلَ! فَهُنَالِكَ تَذِلُّ الْأَبْرَارُ، وَتَعِزُّ الْأَشْرَارُ، وَتَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ الْعِبَادِ. فَعَلَیْكُمْ بِالتَّنَاصُحِ فِی ذَلِكَ، وَحُسْنِ التَّعَاوُنِ عَلَیْهِ، فَلَیْسَ أَحَدٌ ـ وَإنِ اشْتَدَّ عَلَی رِضَی اللهِ حِرْصُهُ، وَطَالَ فِی الْعَمَلِ اجْتِهَادُهُ ـ بِبَالِغٍ حَقِیقَةَ مَا اللهُ سُبْحَانَهُ أَهْلُهُ مِنَ الطَّاعَةِ لَهُ. وَلكِنْ مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ اللهِ عَلی عِبَادهِِ النَّصِیحَةُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَی إقَامَةِ الْحَقِّ بَیْنَهُمْ. وَلَیْسَ امْرُؤٌ ـ وَإنْ عَظُمَتْ فِی الْحَقِّ مَنْزِلَتُهُ، وَتَقَدَّمَتْ فِی الدِّینِ فَضِیلَتُهُ ـ بِفَوْقِ أَنْ یُعَانَ عَلَی مَا حَمَّلَهُ اللهُ مِنْ حَقِّهِ.وَلاَ امْرُؤٌ ـ وَإِنْ صَغَّرَتْهُ النُّفُوسُ، وَاقْتَحَمَتْهُ الْعُیُونُ ـ بِدُونِ أَنْ یُعِینَ عَلی ذلِكَ أَوْ یُعَانَ عَلَیْهِ.

فأجابه علیه السلام رجل من أصحابه بكلام طویل، یكثر فیه الثناء علیه، ویذكر سمعه وطاعته له.

فقال علیه السلام:

إِنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ عَظُمَ جَلاَلُ اللهِ سُبْحَانَهُ فِی نَفْسِهِ، وَجَلَّ مَوْضِعُهُ مِنْ قَلْبِهِ، أَنْ یَصْغُرَ عِنْدَهُ ـ لِعِظَمِ ذلِكَ ـ كُلُّ مَا سِوَاهُ، وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ كَانَ كَذلِكَ لَمَنْ عَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَیْهِ، وَلَطُفَ إِحْسَانُهُ إِلَیْهِ، فَإِنَّهُ لَمْ تَعْظُمْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَی أَحَدٍ إِلاَّ ازْدَادَ حَقُّ اللهِ عَلَیْهِ عِظَماً. وَإِنَّ مِنْ أَسْخَفِ حَالاَتِ الْوُلاَةِ عِنْدَ صَالِحِ النَّاسِ، أَنْ یُظَنَّ بِهِمْ حُبُّ الْفَخْرِ، وَیُوضَعَ أَمْرُهُمْ عَلَی الْكِبْرِ, وَقَدْ كَرِهْتُ أَنْ یَكُونَ جَالَ فِی ظَنِّكُمْ أَنِّی أُحِبُّ الْإِطْرَاءَ، وَاسْتَِماعَ الثَّنَاءِ، وَلَسْتُ ـ بِحَمْدِ اللهِ ـ كَذلِكَ، وَلَوْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ یُقَالَ ذلِكَ لَتَرَكْتُهُ انْحِطَاطاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ عَنْ تَنَاوُلِ مَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِیَاءِ. وَرُبَّمَا اسْتَحْلَی النَّاسُ الثَّنَاءَ بَعْدَ الْبَلاَء، فَلاَ تُثْنُوا عَلَیَّ بِجَمِیلِ ثَنَاءٍ، لِإِخْرَاجِی نَفْسِی إِلَی اللهِ وَ إِلَیْكُمْ مِنَ التَّقِیَّةِ فِی حُقُوقٍ لَمْ أَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا، وَفَرَائِضَ لاَ بُدَّ مِنْ إِمْضائِهَا، فَلاَ تُكَلِّمُونِی بَمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ، وَلاَ تَتَحَفَّظُوا مِنِّی بِمَا یُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ، وَلاَ تُخَالِطُونِی بالْمُصَانَعَةِ، وَلاَ تَظُنّوا بِیَ اسْتِثْقَالاً فِی حَقٍّ قِیلَ لِی، وَلاَ الِْتمَاسَ إِعْظَام لِنَفْسِی، فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ یُقَالَ لَهُ أَوْ الْعَدْلَ أَنْ یُعْرَضَ عَلَیْهِ، كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَیْهِ. فَلاَ تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ، أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ، فَإِنِّی لَسْتُ فِی نَفْسِی بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِیءَ، وَلاَ آمَنُ ذلِكَ مِنْ فِعْلِی، إِلاَّ أَنْ یَكْفِیَ اللهُ مِنْ نَفْسِی مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّی، فَإنَّمَا أَنَا وَأَنْتُمْ عَبِیدٌ مَمْلُوكُونَ لِرَبٍّ لاَ رَبَّ غَیْرُهُ، یَمْلِكُ مِنَّا مَا لاَ نَمْلِكُ مِنْ أَنْفُسِنَا، وَأَخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّا فِیهِ إِلَی مَا صَلَحْنَا عَلَیْهِ، فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلاَلَةِ بِالْهُدَی، وَأَعْطَانَا الْبصِیرَةَ بَعْدَ الْعَمَی.